الدكتور ابراهيم المراكشي: المعايير الجديدة للتوظيف في قطاع التعليم العمومي تتناسب مع مجتمع آخر غير المجتمع المغربي الذي يشهد احتقانا اجتماعيا متصاعدا بسبب البطالة

الواضح24
تربية وتعليم
الواضح243 ديسمبر 2021آخر تحديث : الجمعة 3 ديسمبر 2021 - 10:32 مساءً
الدكتور ابراهيم المراكشي: المعايير الجديدة للتوظيف في قطاع التعليم العمومي تتناسب مع مجتمع آخر غير المجتمع المغربي الذي يشهد احتقانا اجتماعيا متصاعدا بسبب البطالة
الواضح24

– ما هي قرائتكم للمعايير الجديدة للتوظيف في قطاع التعليم العمومي؟

هذه المعايير جاءت منسجمة ومتناغمة مع المستجدات التي يعرفها المرفق العام، والقطاع العمومي بسبب رغبة الدولة في التقليص من حجم النفقات العمومية، بعد أن انخرطت الدولة في مخطط بعيد المدى يروم تفويت العديد من الخدمات العمومية إلى القطاع الخاص. صحيح أن حدة وتيرة خوصصة المرافق العمومية قد خفتت في الآونة الأخيرة، لكن دون أن يعني ذلك تخلي الدولة عن هذه الاستراتيجية. الحكومة الحالية تعد لموجة جديدة لتفويت جملة من المرافق العمومية. ضمن هذا الإطار، يحتل التقليص من الاعتماد على نظام الوظيفة العمومية سلم الأولويات، من أجل إنجاح هذا المسار، في أفق إلغائه نهائيا، وتعويضه بنظام للتعاقد شبيه بأنظمة الشغل المعمول بها لدى شركات القطاع الخاص. وبالتالي، فضمن هذا السياق ينبغي استيعاب وفهم المنطق الذي ارتكز عليه وزير  التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في اعتماده لهذه المعايير الجديدة للتوظيف. لا نشك في إرادة الوزير في تغيير وإصلاح القطاع الذي يشرف عليه، لكن أي تغيير وبأية وسائل متاحة؟ ثم نحن لا نعتقد أن بمثل هذه القرارات سيتم إصلاح التعليم.

– كيف ذلك؟ ألا تعتقدون أن هذه المعايير الجديدة تصب في مصلحة التعليم، وفي مصلحة التلميذ تحديدا؟

لا اعتقد ذلك، قد تكون لهذه المعايير بعض الانعكاسات الايجابية، لكن آخر من سيستفيد منها هي المدرسة بأركانها الثلاثة الرئيسية: الإداري، والأستاذ والتلميذ، بل جهات أخرى وقطاعات أخرى هي المستفيدة، وفي مقدمتها مؤسسات التعليم الخصوصي، التي ستواصل نموا مضطردا، فالذين تم اقصاءهم سيتم استقطاب جزء منهم من طرف التعليم الخاص. إن استراتيجية الدولة في التوظيف لم تعد تحكمها أبعاد كمية اجتماعية، وإنما نوعية، وذلك وفق حاجياتها الحقيقية، التي تروم تحقيق جودة القطاع العام والرفع من فعالياته. فالوزارة حينما حددت السن الأقصى لاجتياز المباراة في 30 سنة، ذلك بهدف التعاقد مع العناصر الشابة القادرة على العطاء من وجهة نظرها. هذا القرار في اعتقادي، كان له أبعاد أخرى وثيقة الارتباط بالحفاظ على الاستقرار الهش لصناديق التقاعد، وإن كانت الوزارة قد نفت ذلك، وفي هذا النفي تأكيد لصحته. الوزارة أماطت اللثام عن نصف الحقيقة فقط؛ ثم حينما وضعت الوزارة شرط الميزة في التحصيل الأكاديمي، فهدفها في ذلك اختيار الأفضل بين المترشحين. الوزارة في هذه النقطة أيضا صرحت بنصف الحقيقة فقط، والنصف الآخر الذي لم تصرح به هو أن هذا المعيار سيؤدي إلى إقصاء الآخرين، في وقت ينبغي أن يكون الفيصل للاختبار والمقابلات الشفوية. وهذا كان سببا في خروج الطلبة للاحتجاج، خاصة طلبة الكليات ذات الاستقطاب المفتوح، المتضررة بشكل مباشر من تنزيل هذه المعايير الجديدة.

– لماذا أثارت هذه المعايير كل هذه الضجة؟

بكل تأكيد هذه المعايير الجديدة تستهدف الرفع من جودة قطاع التعليم. في هذا الإطار يبدو أن الوزير يتحرك وفق رؤية متكاملة، ومتدرجة، لكنها من وجهة نظري تظل سابقة لأوانها، وينبغي أن تسبقها جملة من الإصلاحات التي تهم الجامعة وسوق الشغل تحديدا. لقد أثارت هذه المعايير الجديدة زوبعة من الاحتحاجات لأنها معايير غير واقعية، قد تتناسب مع مجتمع آخر غير المجتمع المغربي الذي يشهد احتقانا اجتماعيا متصاعدا بسبب البطالة، خاصة في أوساط حاملي الشواهد العليا، وبسبب تداعيات الجائحة علي الاقتصاد الوطني وعلى استقرار الأسرة المغربية، ارتفاع مستويات الفقر، إلخ. مما لا شك فيه أن هذه المعايير ستؤدي إلى اقصاء شريحة واسعة من حاملي الشواهد العليا المعطلين، خاصة وأن مهنة التعليم تمتص سنويا منهم نسبة مهمة، والباقي يجد صعوبة في ولوج سوق شغل القطاع الخاص. آفاقهم تضيق تدريجيا، خاصة بعد تصريح الوزير المسؤول عن القطاع من كون الولوج لمهنة التعليم في السنة المقبلة سيتم حصرها في الحاصلين على شهادة البكالوريا. من المنتظر أن تعمم هذه المعايير على جميع القطاعات الحكومية.

– لماذا اعتبرتم هذه المعايير غير واقعية، ولا تتناسب وواقع المجتمع المغربي؟

جميع هذه المعايير، أسسها ومنطلقاتها مهزوزة، وتفتقر إلى المصداقية. لندع شرط السن، لن نناقش عدم دستوريته والعديد من النقاط الأخرى المترتبة، بل سنكتفي بالقول أنه سيؤدي إلى إقصاء شريحة واسعة من حاملي الشواهد العليا. الدولة لديها مشكل مع الأعداد الغفيرة من خريجي الكليات ذات الاستقطاب المفتوح، وهي بهذا القرار تهدف إلى تحويل وجهتهم مستقبلا نحو التكوينات المهنية والتقنية، وهي، أي الدولة، منزعجة من خريجي شعب القانون العام، إذ لا فائدة من بقاء هذه الشعب على وضعها الحالي في ظل استراتيجية الدولة اعتماد التعاقد في التوظيف وفتح المجال أمام القطاع الخاص لتدبير جملة من الخدمات العمومية. ولهذا نجد مقاربة الوزارة الوصية في تعاطيها مع شعب القانون الخاص، تختلف عن القانون العام، لأنها الأقرب إلى القطاع الخاص.
لنركز الآن على معايير الميزة والمعدل في انتقاء ملفات المترشحين، لنكتشف عدم واقعيتها بالنظر للوضعية التي تعرفها الجامعات بالمغرب. فأنا على يقين أن وزير التربية الوطنية بهذا القرار يعلم جيدا أنه يستبعد شريحة واسعة من المترشحين الذين لا يتوفرون على الميزة. وأنا على يقين أيضا أن السيد الوزير، شكيب بنموسى، يعلم أن الميزة ليست بمعيار موضوعَي لتقييم المترشحين، لكونه على دراية واسعة بواقع الجامعة المغربية، لكونه ترأس لجنة النموذج التنموي الجديد، والتي وجهت في تقريرها انتقادات لاذعة للجامعة؛ ثم عندما كان وزيرا للداخلية، كانت وزارته تتوصل بتقارير يومية عن الوضعية العامة في الجامعات، وتقارير عن أساتذة بأسمائهم. وهذا يعني أن الوزير على دراية واسعة بالمشاكل التي يتخبط فيها التعليم العالي، ولذلك فهو يعلم أن الميزة والمعدل العام لا يعكسان بالضرورة المستوى الحقيقي للمترشح. لماذا؟
لأن بعض الكليات تعمد إلى تضخيم نقاط طلبتها بشكل مبالغ فيه، فتجد طلبة حصلوا على الإجازة أو الماستر بمعدل 19/20، في نفس الوقت نجد بعض الكليات تنهج منحى متشدد في ذلك، نتيجة تشدد بعض الأساتذة في التنقيط. فغياب معايير موحدة للتنقيط بين الكليات أدى إلى هذه التفاوتات. لذلك فالطالب الذي حصل على ميزة أو معدل عام مرتفع، لا يعني حتما أنه متفوق وألمعي في مجاله، والعكس صحيح. فالطالب الذي لم يوفق في الحصول على ميزة لا يعني بالضرورة أن مستواه ضعيف. أعتقد أن الوزير المحترم قد بلغ إلى مسامعه ظواهر سلبية أخذت تطفو على سطح جامعاتنا. فالحصول على الميزة بالجامعات المغربية لها طرق ومسالك أخرى، بشكل يوازي طريق الجدارة والاستحقاق والكفاءة. وفي هذا الإطار نجد صنفين من الطلبة: صنف حصل على الميزة بالكد والاجتهاد، أي عن جدارة واستحقاق؛ وصنف آخر توج سنته الجامعية بالميزة بالمال أَو عبر طرق أخرى غير أخلاقية، أي ما عبرت عنه الصحافة بالنقاط مقابل المال أو/و الجنس. هنا لا ينبغي أن نسقط في فخ التعميم، لأن جامعاتنا تزخر بالكثير من الأساتذة الشرفاء،  هل الوزير على علم بمعاناة الطالب الفقير الذي يقضي سنتين أو ثلاث سنوات إضافية، وربما أكثر، من أجل حصوله على الإجازة؟ لا لشيء سوى لأن لا ظهر له أو سندا يحميه ويتدخل لصالحه، أو لا مال عنده لاستيفاء بعض المواد أو شراء بعض الكتب، أو لأن مستواه جد ضعيف، وهو ضعف تراكمي يمتد لسنوات نتيجة الهشاشة المعرفية للتعليم العمومي، ضعف يعجز الأستاذ الجامعي على استدراكه نتيجة ضعف موارد اشتغاله. وبالتالي حينما يقول الوزير أن هذا الشرط يستهدف اختيار الكفء والأجدر، فهو يعلم أن ذلك يخالف الواقع ويتناقض معه. فاجتياز المباراة ينبغب ان تفتح في وجه جميع المتبارين، بالميزة أو بدونها، مع ضرورة ضمان نزاهتها وشفافيتها. ما قيل عن معيار الميزة ينطبق أيضا على معيار السن، لا شيء يؤكد أن مردودية من هو في سن أقل من 30 ستكون أفضل، ولا توجد دراسات علمية تؤكد ذلك. مردودية الأستاذ داخل القسم تحكمها عوامل أخرى لا علاقة لها بالسن، مثل المعرفة، والتكوبن، والبيداغوجيا، وأدوات الاشتغال، والتحفيز، إلخ. هذه المعايير التي اعتمدتها الوزارة لها أبعاد أخرى خفية، غير تلك التي تم الإعلان عنها.

رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة