العنف ضد النساء (مقال علمي)

الواضح24
2021-01-14T23:31:43+00:00
كُتّاب وآراء
الواضح2414 يناير 2021آخر تحديث : الخميس 14 يناير 2021 - 11:31 مساءً
العنف ضد النساء (مقال علمي)
الدكتور الأستاذ سمير الوصبي تخصص: الفكر السياسي الاجتماعي عضو مختبر الدراسات والفكر والمجتمع بجامعة شعيب الدكالي

“منذ ذلك اليوم الذي قذف فيه الإنسان القديم حيوانا صغيرا بحجر، بدأ توظيف العنف لصنع الثروة”، بهذا القول “لألفين توفلر” نفتتح هذا المقال؛ فالعنف بدأ مع بداية الوجود الإنساني، فهو صنيعة بشرية ناتجة عن حب التملك والسيطرة، باعتبارهما العاملين المولدين لسلوك العنف، “الذي يعتبر وحشا مجنونا إذا أطلقته لا يمكنك أبداً أن تسيطر عليه”[1].                         

لو تمعنا في المعاجم المتنوعة والمختلفة بحثا عن دلالة المعنى، لوجدنا أن الاستعمال التداولي يوحي إلى السلب الناتج عن طرفين أحدهما يملك قوة قهر، والآخر مسلوب إرادة الصد والمنع، فالعنف في اللغة: هو الخرق بالأمر، وقلة الرفق به وهو ضد الرفق[2]. أما في “معجم العلوم الاجتماعية” فيعرف العنف بأنه: استخدام الضغط أو القوة استخداما غير مشروع أو غير مطابق للقانون من شأنه التأثير في إرادة فرد[3].

هذا من حيث الإفراد (العنف)، أما من حيث التركيب (العنف ضد النساء) كما يُعرف باسم العنف القائم على نوع الجنس، هو مصطلح يوظف توظيفا عاما للإشارة إلى أي أفعال عنيفة ممارسة متعمدة أو ممارسة استثنائية تجاه النساء؛ ومثله جرائم الكراهية، فإن هذا النوع من العنف يستند إلى جنس الضحية كدافع رئيس وقد يكون جسميا أو نفسيا.

تنص اتفاقية منع العنف ضد المرأة والعنف المنزلي ومكافحته والمعروفة أيضا باتفاقية اسطنبول، على التعريف الآتي للعنف ضد المرأة.

إن “العنف ضد المرأة” يُفهم على أنه انتهاك لحقوق الإنسان وشكل من أشكال التمييز ضد المرأة ويعني جميع أعمال العنف القائم على أساس نوع الجنس التي تؤدي إلى أضرار بدنية أو جنسية أو نفسية أو اقتصادية أو من المحتمل أن تؤدي إلى ذلك بما في ذلك التهديد بمثل هذه الأعمال أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء أحدث ذلك في الحياة العامة أم الخاصة”.

فيما عرّفت الجمعية العامة للأمم المتحدة “العنف ضد النساء” بأنه “أي اعتداء ضد المرأة مبني على أساس الجنس، يتسبب بإحداث إيذاء أو ألم جسدي، جنسي أو نفسي للمرأة، ويشمل أيضاً التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان التعسفي للحريات، سواء أحدث في إطار الحياة العامة أم الخاصة.”

فما يلاحظ من خلال هذه التعريفات أن العنف هو تسليط قوة إيداء عبر أشكال عدة، وحتى نحقق المقصود من هذا المقال، وهو إيجاد الحلول الفكرية والعملية لمعالجة هذه الظاهرة من خلال الوقوف على الأسباب الدافعة لتولد العنف بين الرجل والمرأة.

-أنواع العنف ضد المرأة:

– عنف العشير (الضرب، الإساءة النفسية، الاغتصاب الزوجي، قتل النساء)؛

-العنف والمضايقات الجنسية (الاغتصاب، الأفعال الجنسية القسرية، التحرش الجنسي غير المرغوب فيه، الاعتداء الجنسي على الأطفال، الزواج القسري، التحرش في الشوارع، الملاحقة، المضايقة الإلكترونية)

-الاتجار بالبشر (العبودية والاستغلال الجنسي)؛

-تشويه الأعضاء التناسلية للإناث؛

-زواج الأطفال.

4 1 - الواضح 24

آثار العنف ضد المرأة والفتاة له ما له من تأزم على صحة النساء النفسية والجنسية وكذا الحالة الاجتماعية وتدل على ذلك احصائيات العنف ضد النساء .

إحصائيات حول العنف ضد المرأة:

   من أهم الإحصاءات حول العنف ضد المرأة، التي توصلت إليها منظمة الصحة العالمية وكليات الطب البشري والطب في المناطق المدارية في العاصمة البريطانية لندن، ومجلس الأبحاث العلمية الطبية في جنوب إفريقيا، أن أكثر من 35% من النساء حول العالم للعنفالجسدي أو العنف الجنسي من قبل شريك الحياة في الزوجية أو من أشخاص آخرين.
   وتعرضت 30% من النساء حول العالم للعنف الجسدي ضد المرأة من قبل شريكالحياة و 7% من النساء تعرضن للاعتداء الجنسي من قبل أشخاص لا تربط النساء بهم أي علاقة.
و 16% من النساء اللواتي تعرضن للعنف الجسدي أو العنف الجنسي، من المحتمل أن يصبن بالاكتئاب وإلى ضعف في الوزن، والعنفضدالمرأة يأخذ مجالا وحيزا كبيرين من القضايا التي تعاني منها المجتمعات على اختلاف أنواع العنف؛ ومن هذه الأنواع العنف الجسدي أو العنف الجنسي أو العنف اللفظي والتعذيب…
   حيث أكدت هيئة الأمم المتحدة التي تهتم بشؤون المرأة أن واحدة من بين كل ثلاثة نساء في العالم يتعرضن للعنف الجسدي أو العنف الجنسي، على الأقل تتعرض المرأة للعنف في حياتها لمرة واحدة على الأقل وعلى الأغلب يكون العنف ضد المرأة من قبل شريك الحياة.
ناهيك عن 200 مليون امرأة حول العالم تعرضن للعنف قبل بلوغ الفتاة سن الخامسة ولتشويه الأعضاء التناسلية أو الختان، أضف إلى ذلك 30% من النساء تعرضن للعنف من قبل شريك الحياة (الزوج) فضلا على أن النساء يعتبرن ما نسبته 70% من الضحايا في عملية الاتجار بلغن سن 18 من العمر كان ما نسبته 50% منهن ضحايا الاتجار بالبشر، وتبين الإحصاءات أن كل 6  نساء من بين 10 نساء معنفات لا يقمن بإخبار أحد بأنهن تعرضن للعنف، وبالأخص العائلة والأصدقاء.

خطورة الوضع تتضح بارتفاع حالات العنف فالنسب المئوية صارت تتعدى حاجز  50% ، ما ينبئ بضرورة اتخاد مبادرات وخطط استعجالية لحصر الظاهرة بجرد دقيق للمسببات، ونهج حملة مستمرة للتحسيس، فضلا عن التفعيل الآني للقوانين الزجرية لمرتكبي جرم العنف ضد النساء.

3 - الواضح 24

ارتفاع مهول لحالات العنف ضد النساء زمن كورونا

منذ إعلان المغرب حالة الطوارئ الصحية في 20 مارس/آذار الماضي لمواجهة فيروس كورونا الجديد، ازدادت حالات العنف الزوجي.

فقد أطلقت منظمات نسائية في المغرب تحذيرات من تزايد وقائع العنف ضدّ النساء خلال الحجر الصحي المفروض لمحاصرة انتشار فيروس كورونا في البلاد، داعية إلى اتخاذ إجراءات وقائية عاجلة… ولفتت إلى تسجيل “حالات عدّة استغلّ فيها الأزواج الحجر الصحي من أجل ممارسة الضغط النفسي والإكراه الجسدي لإجبار زوجاتهم على التخلي عن حقوقهنّ”، مذكّرة بأنّ العنف الأسري يمثّل 52 في المائة من حالات العنف ضدّ النساء، بحسب المعطيات الرسمية[1].

الوضع المأساوي والمزري الذي أصبح يعيشه العديد من النساء ضحايا العنف زمن الحجر الصحي، أكده تقرير للمندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة حكومية للإحصاء) بأنّ المنزل يُعَدّ من أكثر الأمكنة التي تتعرّض فيها النساء المغربيات للعنف، بنسبة 52 في المائة (6.1 ملايين امرأة). ويشير التقرير نفسه إلى أنّ من بين 13.4 مليون امرأة مغربية تتراوح أعمارهنّ ما بين 15 عاماً و74، أكثر من 7.6 ملايين امرأة وهو ما يُمثّل 57 في المائة من النساء، تعرّضنَ لنوع واحد من العنف على أقلّ تقدير.

  • فما الحلول العملية للقضاء على العنف ضد النساء؟

كما سبق القول سلفا فإن الأمر يحتاج إلى عملية مترابطة وفي خط مواز بين ما هو توعوي تحسيسي وآخر زجري قانوني، ويمكن أن نفرع الأمر تفصيلا الى حلول هيكلية: ترتبط بمقترحات الدول ومبادراتها والمنظمات والمؤسسات، وحلول بنيوية مرتبطة بتنشئة وخلق الوعي سواء لدى الأفراد أو الجماعات.

أولا : الجانب الهيكلي: وجب على دول العالم القضاء على العنف ضد النساء، بكل الوسائل الممكنة كالمصادقة على اتّفاقية القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة[4]. ومعاقبة كلّ من يمارس العنف ضد المرأة وفقاً للقوانين والتشريعات، وتعويض النساء اللواتي تعرّضت للعنف عن الأضرار التي لحقت بهنّ.  مع ضرورة تطوير نهج وقائي، وتدابير قانونية، وسياسية، وإدارية، وثقافية شاملة لتعزيز حماية المرأة من جميع أشكال العنف. واحداث شرطة قضائية ومحاكم توكل إليها مهام التأمين لسلامة النساء من شطط التسلط الممارس عليها.

والأكيد أن العنف له آثار سلبية عديدة على صحة المرأة البدنية، والعقلية، والجنسية، والإنجابية، لذا قامت منظّمة الصحة العالمية بعدّة إجراءات للمشاركة في إنهاء العنف ضد المرأة، ومنها ما يأتي: إنشاء قاعدة أدلّة لقياس حجم العنف الممارس ضد المرأة، وبيان طبيعته، وعواقبه. و التعاون مع المنظّمات الدولية لدعم جهود البلدان في القضاء على هذا العنف. تطوير خطط وسياسات وطنية للتصدّي لهذا العنف مع تعزيز استجابة القطاع الصحي لمواجهة العنف ضد المرأة.

ولا يمكن أن يفعل هذا الإجراء إلا بإنشاء مراكز إنصات فاعلة عبر المتابعة والتتبع: المتابعة القانونية لمرتكبي جرم العنف وتشديد العقوبات في ذلك، والتتبع من قبل العاملين في مجال المساعدة الاجتماعية للحالات المرتكبة، فالمصاحبة الميدانية شرط أساسي لإنجاح كل القرارات وإلا بقي كل إجراء أو قرار متخذ في ايجاد الحلول  شكليا وصوريا لا غير، وكم ظل أمر مناهضة العنف ضد النساء شعارا يرفع في مناسبات أو قضايا للاستهلاك الإعلامي أو مناسبات للاسترزاق الممنهج على حساب المرأة تستفيد منه جهات خاصة لقضاء مآرب شخصية أو سياسية.

1  - الواضح 24

ثانيا: الجانب البنيوي: ويرتبط بجانب التربية التعليمية والتنشئة الإجتماعية، إذ يعدّ التعليم ركيزة أساسية في تحقيق المساواة، وتشجيع المرأة على التعلّم من خلال تحدّي الصعوبات الناشئة بموجب الأعراف الثقافية للمجتمع، وتغيير المعتقدات التي ترفض حقّ المرأة في التعليم؛ إذ يتمّ هذا التحوّل الاجتماعي من خلال السعي نحو تكافؤ الفرص في الحصول على التعليم الجيد.

أما التنشئة الاجتماعية فتقتضي نشر الوعي بين الأفراد والجماعات حول مخاطر العادات والتقاليد التي تعود بآثار ضارّة على حياة المرأة، وحول الظروف السيئة التي تواجهها النساء في الأرياف، وتثقيف المجتمع بحقائق انتشار ظاهرة العنف ضد المرأة. وتقوية دور الأسرة فهي النواة الأساسية التي يقوم عليها المجتمع، وبصلاحها يصلح المجتمع.

ومن بين الحكم التي  بها نلملم هذا الموضوع وهي مفتاح يقصد وضع الأساس لمعالجة  ظاهرة العنف ضد النساء ،إن لم نستطع أن نتحالف فعلينا أن نتعاون، وإن لم نستطع أن نتعاون فعلينا أن نتبادل الاحترام” فكل من الذكر والأنثى[5] يشكلان مفهوم الإنسان والاحترام المتبادل بينهما يولد المعنى الحقيقي للإنسانية وأي تصادم بينهما يولد العنف والكراهية، فالمسألة إذن هي رهينة بمستوى درجة ما نحن عليه من أخلاق.

6 1  - الواضح 24

[1]  بلال فضل، فتح بطن التاريخ، دار الشروق، الطبعة الثالثة، ص:117

[2] ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت الطبعة الثالثة، ص: 257

[3]معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان، ص: 441  احمد زكي بدوي،

[4] أشكال العنف قد يكون جسدي أو لفظي أو اقتصادي.

[5] عادل نجدي، مغربيات في زمن كورونا ..عنف أسري متعدد الأشكال، موقع العربي الجديد، 20أبريل 2020.

[6]  يقول دوركايم:” إنّ الرجلَ والمرأةَ يبحثُ كلٌّ منهما عن الآخر بعُنف، لأنّهما مختلفان في ما بينهم”.

رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة