نوال الجوهري تكتب: نون النسوة المتوعكة

الواضح24
2021-03-09T14:35:34+00:00
كُتّاب وآراء
الواضح249 مارس 2021آخر تحديث : الثلاثاء 9 مارس 2021 - 2:35 مساءً
نوال الجوهري تكتب: نون النسوة المتوعكة
نوال الجوهري

يحتفل العالم من كل 8 مارس باليوم العالمي للنساء، بعضهن تتلقين الورود والشوكولا الفاخر، وبعضهن تحاضرن عن نضالات الحركات النسائية عبر العالم وعبر التاريخ، والبعض تحولنه إلى حدث سياسي، وقلة قليلة تُذَكِّر بالسياق الحقيقي لليوم الأممي، الموشوم بتضحيات نساء نيويورك الثائرات في وجه ظروف العمل القاسية وسوء الأوضاع الاجتماعية.

وبعيدا جدا عن السياق التاريخي ل8 مارس، قريبا جدا من الواقع الفعلي لنساء لا تعرفن من أيام السنة سوى “جاد، جماد، رجم، شعبان، ورمضان” بتعبير إمرأة مسنة… قريبا إلى أقرب حد من نساء منطقة احمر البسيطات، يقف السؤال مُنتصبا: ما نصيب هؤلاء النسوة من كعكة الحظ التي تنعم بها نساء الأبراج العاجية؟

في آخر إحصائية قدمتها السلطات لعدد الأسر التي تعيش تحت عتبة الفقر بمدينة اليوسفية وحدها، هناك أزيد من 14000 أسرة، قد يبدو الرقم عاديا للمحتكين يوميا بالواقع المعاش لليوسفيين وخصوصا بالمناطق الهامشية، ولا شيء بالنسبة لهم يدعو للغرابة أو الاستغراب، لكنه واقعيا يبقى رقما مهولا بالنظر لوجود هذا العدد على أرض مدينة منجمية تساهم في الناتج الخام الوطني بحصص محترمة، وإذا علمنا أن النساء تَحظين بحصة الأسد من النصيب في الفقر على اعتبار ظاهرة تأنيث الفقر التي باتت تجتاح العالم في ظل الرأسمالية، فلنا أن نتخيَّل الواقع المعاش للمرأة الحمرية عموما، واليوسفية على وجه الخصوص.

بمعظم أحياء اليوسفية الهامشية، وحده البؤس والمهانة يصلح عنوانا لخارطة الطريق المؤدية لمنازل توحي للوالج إليها وكأنها من زمن القرون الوسطى، بحي وادي الذهب كمثال على ذلك، هناك تقبع نساء تعشن أرذل العمر وحيدات، بعضهن سرق الموت أحبابهن، وبعضهن لم ينعم عليهن القدر بالزوج أو الولد، نسوة تكابدن الحياة ومشاقها، وحيدات تعشن على حافة النسيان… عجائز حي وادي الذهب تصلحن مادة حية للتدليل على مخططات النهوض بوضعية المرأة بالمناطق المهمشة، وحدها رائحة الإهمال المنبعثة من بيوت هؤلاء النسوة سيدة المكان.

غير بعيد جغرافيا عن اليوسفية، وتحديدا بدواوير تنتمي ترابيا لمنطقة احمر، قست عليها الجغرافيا وأصحاب القرار معا، حيث لازالت النساء هناك تلدن في البيوت، لا تعرفن شيء عن تنظيم الأسرة وثقافة تحديد النسل، الحياة هناك أشبه بسيناريو فيلم تلفزيوني من قبيل “وجع التراب”، يُخيَّل للزائر وكأن عقارب الساعة تتحرك إلى الوراء، النساء هناك تتوزع أدوارهن بين البيت والحقل وحياكة الزرابي، كنملة لا تكل ولا تتعب…

بدواوير الكنتور المنسية، حيث رسم المكتب الشريف للفوسفاط معالم الخراب بعد أن استنفذ خيرات المنطقة وتركها عرضة للتهميش والإهمال، وجوه النساء هناك شاحبة، كأرض أصابها الجفاف لسنوات ولم تغدق عليها السماء بقطرة ماء، فرضت عليهن الظروف تحمل أعباء ثقيلة للاهتمام بالأسرة وتوفير مستلزمات العيش البسيطة، دون تلقي أي مساعدة مالية من أي جهة، واقع المرأة هناك بئيس وروتيني حد البكاء.

طبعا دون الحاجة لشحذ الذاكرة والتذكير بتلك البناية الصحية المسماة ظلما وبهتانا “المستشفى الاقليمي لالة حسناء”، بقسم الولادة تحديدا، يكفي الوقوف على عدد الحوامل المتوفيات على أَسِرَّة الولادة، لتعرف أنه ليس سهلا بالمرة أن تكون امرأة في اقليم اليوسفية.

من الواضح اليوم أنه وسط الاحتفالية العالمية بالنساء، قد يكون طرح قضية المرأة أضحى استهلاكا اعتياديا يجيده العديدون، وتتقنه العديدات من محترفات العمل النسائي، لكن توافر معطيات حقيقية وشواهد واقعية لحياة نسوة مهيضات الجناح، ومهانات ببؤس الحياة، تجعلن التهجد بالدعاء خبزهن اليومي، ولا يعنيهن في شيء مطلب المساواة في الإرث، ولا الحرية الجنسية، بقدر ما يهمهن فعل يحفظ كرامتهن المهانة، يعد صفعة على جبين الحديث عن النهوض بوضعية المرأة، ومن يتغزل بعطاءاته في هذا الشأن، وينبه القابعين في أبراج التنظير لقضايا المرأة، إلى صوت العدالة الإجتماعية الموءودة في المغرب العميق.

الحديث عن تعثر النهوض بوضعية النساء بالمعطيات والدلائل يصعب وضع نقطة حد له، فما تعانيه المرأة الحمرية البسيطة يعد ظلما في حقها، مادام الجميع يتفق على أن أكبر آفة تصيب المرء هي الفقر، وقد كان الإمام علي مصيبا حين قال مقولته الشهيرة، “لو كان الفقر رجلا لقتلته”، فما بالك إذا تكالب عليك الفقر والمرض والتهميش والأمية… ولعلي لن أجد أفضل من زجل مليكة فتح الإسلام شاعرة اليوسفية الرقيقة، وتحديدا قصيدتها الشهيرة “الجفنة”، لأختم به الحديث عن نون النسوة المتوعكة، ومن سخرية اللغة أن “الجفنة” تنتهي بتاء التأنيث، وكأنها خرجت من رحم إمرأة مغلوبة، غلبها الحال وضيق ذات اليد، ونشدت تقول:

“وحق سيدي عبد الرفيق

الشاد خويا عظام

حتى عييت قهرتني الايام

قلت نخدم نتحزم للجفنة تحزام

ماشي شطيح صابون ووسخ معرم علي تعرام…”.

رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة