“غزوة سبتة: الحقيقة المرة، الحقيقة المغيبة”

الواضح24
2021-05-20T19:45:31+00:00
كُتّاب وآراء
الواضح2420 مايو 2021آخر تحديث : الخميس 20 مايو 2021 - 7:45 مساءً
“غزوة سبتة: الحقيقة المرة، الحقيقة المغيبة”
إبراهيم مراكشي: أستاذ جامعي – كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة

تشهد العلاقات المغربية-الإسبانية بين الفينة والأخرى تشنجات تطفو على السطح نتيجة تباين في وجهات التظر وتعارض في المصالح بخصوص جملة من القضايا المشتركة: ملف مدينتي سبتة ومليلية والثغور المحيطة بهما، الصيد البحري، ترسيم الحدود البحرية، الهجرة السرية والنظامية، قضية الصحراء، العبور بمضيق جبل طارق، إلخ.

واليوم تمر العلاقة بين البلدين بأزمة عميقة، شكلت إستقبال إسبانيا لزعيم جبهة البوليساريو فوق أراضيها النقطة التي أفاضت الكأس، لدرجة دفعت المغرب إلى التهديد بوقف التعاون بين البلدين في مجالات الشراكة الثنائية، وخاصة في المجال الأمني والاستخباراتي، وهو التهديد الذي ترجم عمليا السماح بالنزوح الكثيف لساكنة مدينة الفنيدق والمناطق المجاورة صوب مدينة سبتة، دون تدخل من جانب حرس الحدود المغربي. ففي ظرف يومين فقط دخل نحو ثمانية آلاف “مهاجر” مدينة سبتة، من ضمنهم 1500 قاصر، وهو الأمر الذي استدعى تدخل الجيش الإسباني.

لإيران ملفها النووي للضغط ومساومة الغرب، والمغرب ليس لديه سوى معاناة أطفاله وشبابه للضغط ومساومة الجارة الشمالية. إنها تجارة بئيسة، ورقة في يد الدولة تلعب بها، فهل تدرك خطورة أبعادها؟

لقد رفعت الدولة يدها مؤقتا عن ملف الهجرة السرية، ولم تعد تلعب دور الحارس أو الدركي، تاركة المساحة فارغة لكل حالم بالعبور نحو الضفة الأخرى. إن الذين ألقوا بأنفسهم في البحر، هم من ساكنة مدينة الفيندق تحديدا، الذين وجدوا أنفسهم أمام موت محقق بعد أن سدت في وجههم جميع منافذ الرزق في باب سبتة، في ظرفية جد صعبة تتمثل في الانعكاسات السلبية لجائحة كورونا. صبروا طويلا، تظاهروا كثيرا، لكن السلطات العمومية آثرت اعتماد سياسة النعامة، وما أقدمت عليه من خطوات انتفت عنها النجاعة والشمولية.

لقد كان العالم شاهدا على مشاهد إنسانية أليمة، تقشعر لها الأبدان، لأطفال ورضع ونساء يجتازون الأسوار الحدودية الموجودة في البحر، إما سباحة أو سيرا بمحاذاتها خلال فترة انحسار الأمواج، صور توحي وكأننا في منطقة حدودية منكوبة في اليمن أو سوريا… لا مبرر أخلاقي في استغلال الأطفال في صراع سياسي، وإن تعلق الأمر بالقضية الوطنية الأولى.

من الصعب عدم الاعتقاد أن لا يد للحكومة وأجهزة الدولة فيما وقع في الأيام القليلة الماضية من نزوح كثيف من مختلف الجبهات على مدينة سبتة، الثغر المغربي المحتل. فهذا أمر مخطط له وموجه، وصمت الحكومة ومعها الأحزاب المعارضة خلال اليومين الأولين للأزمة دليل على أن الأمر يتجاوز حدود صلاحيتهما.

هي فضيحة أخلاقية بكل المقاييس عرت عن حقيقة الوضع بالمغرب، وأسقطت في ظرف وجيز الصورة الهشة التي بناها المغرب لسنوات في المحافل الدولية عن نفسه، كبلد يخطو خطوات جبارة في مجال محاربة الفقر والإقصاء، بلد يسعى حثيثا لتنمية ترابه ويسعى للدخول إلى نادي 50 أقوى اقتصاد في العالم، لكن بأي ثمن؟ بتعميق الهوة السحيقة بين مختلف الطبقات، عبر احتكار ثمار المشاريع من طرف أقليته المتحكمة، وترك الفتات للبقية تتصارع عليها. فضيحة وأية فضيحة دولية للمغرب، الذي يصدر نفسه كبلد يحترم حقوق الإنسان بشكل استثنائي في محيط إقليمي يشهد انتكاسات حقوقية متوالية.

إن ما عاشه المغرب في الأيام الأخيرة يعكس أزمة تعاقد، أزمة ثقة بين المواطن والدولة؛ هي إعلان عن إفلاس جميع السياسات العمومية الموجهة لمحاربة الفقر والإقصاء، بشكل تعكس فشل الدولة حكومة وأحزابا سياسية.
لا خير في دولة لا تصون كرامة مواطنيها، وأما أن تتاجر بمعاناتهم فذلك قمة الحقارة. لقد بينت هذه الأزمة الأخيرة أن الفقير في المغرب لم يتحول فقط إلى سلعة في وطنه، بل صار أرخصها وأبخسها. الفقير في المغرب لا قيمة له، وكأنه لاجئ في وطنه. وهذه هي زبدة الخلاصة التي نخلص إليها، اجتماعيا، من هذه الأزمة. هذه هي الحقيقة المرة!

رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة